قُبيل العيد...للقصّة بقية! - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


قُبيل العيد...للقصّة بقية!
مسعود الجولاني - 12\11\2010
نظر في روزنامته المعلّقة على الحائط، وابتسم ابتسامة... فيها من البهجة والرهجة والشوق لقدوم العيد المنتظر. ولكنّ بريق العينين أوحى إليّ بإشارات لم أفهمها، كانت كلّها تسقط في المساحة المظلّلة الواقعة ما بين اللين والقسوة، الوصال والهجر والعطف والجزم.
مشى بخطوات سريعة حاسمة، دخل غرفته وارتدى ثيابه النظيفة. تساءلتُ: جرت العادة أن نتأنّق في صباح يوم العيد، ولكن لماذا يسابق هذا الرجل العيد وتفصلنا عنه أيام معدودات؟ لعلّ رزنامته تعبث به وبمواعيده. ثمّ دخل ذلك الركن، شبه المظلم... خلف منزله، وكانت تقبع به مخلوقات أقلّ ذكاء وقوّة منّا، ارتدى مريولا أبيضا، أظنه من النايلون، فقد كانت العتمة تعيق عليّ التلصّص واختلاس النظر، وأمسك بيده ما يشبه عود الياسمين. قلت في نفسي:يا لهذا الطيّب، يريد لفرحة العيد أن تشمل الجميع، فهو يرفق بجيرانه ويرعاهم ويعنى بهم، أتمنّى أن يفعل ذلك أيضا بعد أن تذوي زهوة العيد.

اختار أحدهم وحضنه.. ويا لطيب العناق بين المحبّين، ثمّ مدّده على الأرض... ربّما ليساعده على النوم المريح، بعد ذلك أمسك بذلك العود المتطاول، أغمض عينيه للحظة حسبته خلالها يتلو تراتيل دينيّة تعين صديقه على الشفاء أو تطيل عمره.
يا لهذه الظلمة، لم أر كيف داعبه وغنّجه، ولكنّني فهمت هذا الدلال والسمر عندما غلب لون النبيذ القاني على نقاء المريول- ناصع البياض، ربّما كسرت زجاجة نبيذ في غفلة منه ومنّي. لم يبد على وجهه أنّه انزعج ممّا حدث، بل بدا عليه الاكتفاء ممّا قد يكون شربه، والتشفّي بصاحبه الذي يبدو أنّه أثقل شربا، حتى غادرته القوة على الحراك.
أشعل سيجارته... ربّما ينتظر تبخّر النبيذ ليعود ويعبث مع صديقه الممدّد أرضا.
إنّها من أعذب صور العيد التي رأيتها، قلت هذا ونظرت إلى السماء لأشهّد البدر على كلامي، وجدته ساهرا، لكن ملامحه كانت مغايرة... وقد هجر اللون وجنات الخدود، وكأنّه خارج لتوّه من مشاهدة أكثر المشاهد رعبا وقسوة... خاطبت نفسي قائلا:أظنّه بدرا كاذبا، يمثّل عليّ كل هذا، كي ينعم وحده بروعة المشهد. ولكنّ تقطّب الجبين واستنفار الحاجبين، جعلاني أسير في دربي وأتخلّى عن جمالية المشهد وأهرب من عواقب المواجهة.